20
السبت, نيسان
0 مواد جديدة

القرويين
Typography
  • Smaller Small Medium Big Bigger
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

أين كانت القرويين وأين كان رجالاتها يوم أن صلى إبليس على مذهب مالك ثم ركب الغمام وارتحل

الرياضيات وابن بركة

أشاع الأتباع عن الرجل كونه رياضياتي!، كما كان يشيع القبوريون قبلهم عن زعماء طرقهم أنهم: طيور جبال! أو يمشون فوق الماء أو يجيبون الدعاء، أو يبرئون كل داء!..الخ. وبما أن : السحر والرياضيات تلتقيان في شيء واحد بالنسبة للمخاطبين الضحايا من المغاربة السُّذّج، ألا وهو عدم تصورهم لهما ولما يمكن أن يستغلا فيه، فقد انطلت أحابيل السحر على آبائهم، كما انطلت أسطورة الرياضيات على جيل أبنائهم وهم الذين رأوا بأم أعينهم!!؟؟ ما لم يره أحد في الخافقين فجر الاستقلال!:

صورة للملك محمد الخامس فوق سطح القمر!،

قبل أن تستطيع الوكالة الفضائية الأمريكية النازا (NASA) تحقيق ذلك بصرف بلايين الدولارات في رحلة أبولو 11 يوم 20 يوليو ( تموز) 1969 بإنزال رجلين سيمشون فوق سطحه!

وينقل المهدي بنونة هذا الخبر الذي أثر على المغاربة مع فجر الاستقلال!1:

وبلغ من شدة تعلق الشعب المغربي وحبه للملك، أن انتشرات شائعات متواترة، تقول أن كثيراً من الناس شاهدوا في ليلة البدر صورة الملك المنفي في القمر!. وبدأ المئات من المواطنين يخرجون ليلة اكتمال البدر لمراقبة "صورة الملك!". ولعل حبهم وتعلقهم بالملك محمد الخامس جعل كثيرين يتخيلون أنهم شاهدوا " صورة الملك" بالفعل! في القمر!!، حتى أن مجلة " كويك" الألمانية نشرت القصة على صفحاتها ومعها صورة لظل وجه الملك على القمر!؟ فأخَذتُ صورة منها ونشرها على صفحات صحيفة " الأمة" وتخاطف الناس!!؟ الصحيفة ذلك الصباح وهربوا أعداداً كبيرة منها إلى الرباط والدار البيضاء، وبيعت بأثمان خيالية!!؟؟، لأن عامة الناس اعتقدت أن في ذلك إثباتاً لتخيلاتهم!!؟؟.

قلت: وما أكثر تخيلات المغاربة!؟ قديماً وحديثاً!.

فهذه كانت عقلية جيل الاستقلال! في الستينات وتلك كانت ولا زالت نمطية الأساطير المؤطرة، التي يدوّخُ بها هذا الشعب! الأمي المغلوب على أمره!. وهذه وتلك كونت أفق الدعاية الحزبية التي تعاطتها أحزاب تلك الفترة، بل ولا زالت. تجترها عند الضرورة وكلما دعت الحاجة، دون ملل! ولا كلل!، من باب الدعاية الحزبية، ومن باب رفع أسهم الرأسمال الرمزي للزعيم الأوحد! مقابل الزعماء الآخرين! ( لأنهم تقليديون!؟) أما أنه أظهر ميولات رياضياتية في الثانوي على يد مدرسه " مارتي"!، فقد درس المؤلف كاتب هذه السطور على هذا الأستاذ في الجامعة لاحقاً، بكلية العلوم في السبعينات، وقد ناهز أستاذ ابن بركة القديم العقد السابع من عمره وحصل عصامياً على شهادة الأستاذية (Agrégation) التي خولت له التدريس بالأقسام التمهيدية بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط.، المُلحقة في مقرراتها بجامعة بوردو الفرنسية، لعدم حصوله على الدكتوراه . وفي تجربتي الدراسية من خلال النظامين الفرنسي ثم الأمريكي، لم أتعرف قط على أستاذ تعيس ومنغلق ومعقد وبليد القريحة والمُحتد مثله!. ومع ذلك تأثر به بعض متاعيس المغاربة وقلدوه في صرامته التجهيلية على نمط ما لقنوا!.

أما أن الإجازة في الرياضيات تعني شيئاً بالنسبة للرياضيتين، أو لغيرهم فهذا لا ينطلي سوى على الأميين في مثل هذه الأمور!. ثم إن فرنسا، المفروض أنه سيأخذ رياضياته عنها أو منها، كانت قد فقدت تماماً وهجها الرياضياتي الذي كان لها إبان القرن التاسع عشر ومطلع العشرين .

وفي حين لم يكن في العالم يومها سوى حوالي عشرين صحيفة متخصصة، فقد وجد ما بعد الحرب العالمية الأولى عدة مئات منها. بل للإلمام بهذه التخصصات كان لا بد للمرء أن يقلب نشرات متخصصة في تحليل النشرات الأخرى وإعطاء ملخصات عنها، وهذه لم يكن لها وجود سوى بثلاث لغات لا رابع لها:

  • الورقة المركزية للرياضيات (Zentralblatt für Mathematik) الألمانية التي بدأت في الصدور سنة 1932 م
  • المراجعات الرياضياتية ( Mathematical Review) الأمريكية التي بدأت في الصدور سنة 1940 م،
  • الصحيفة المرجعية (Referativny Zurnal) الروسية التي صدرت بعدهما.

ومع ذلك فالدفق المتزايد في موضوعات الرياضيات ظل في تزايد مطرد، لم تستطع حتى هذه المجلات التحليلية المتخصصة من متابعته حتى وهي تضخم من حجمها مع كل إصدار جديد!.

أما فرنسا فقد حلت بمدرستها الرياضياتية فاجعة وكارثة كبرى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918 م، لم تقم لها قائمة بعدها وإلى يوم الناس هذا! مع مطلع القرن الحادي والعشرين. فقد استنزفت حتى الرمق الأخير وانكمشت على نفسها وقبعت ضمن الإطار الضيق لنظرية وظائف الدّوال ذوات المتغيِّر الحقيقي أو المعقد الذي كان قد تطور على يد كل من بيكار ( (Picard وهادمار (Hadamard) ولبيغ ((Lebesgue وبير (Baire) وبوريل (Borel) ومونتل (Montel) ودنجوي (Denjoy) مع بداية القرن العشرين.

أما ألمانيا فحافظت على شمولية مدرستها وشهدت تفتحاً جديداً في علم الجبر والأعداد وغيرهما. بل ظهرت مدارس أوروبية نشطة في الرياضيات في بلدان لم تكن لها شهرة بذلك. وأصبحوا بين عشية وضحاها، ذوي شهرة عالمية كما هو حال :

* الاتحاد السوفياتي: حيث ظهر فيه رياضياتيون من الوزن الثقيل أمثال: ألكسندروف (Alexandrov ) وكولموغوروف ( (Kolomogorov وفينوغردوف (Vinogradov) وبتروفسكي (Petrovski) وغيلفاند (Guelfand) وبونترياغين (Pontriaguine) وأوريسوهن (Urysohn) وغيرهم.

* بولونيا : حيث بزغ رياضياتيون كبار من حجم كوراتورسكي ( Kuratowski) وسيربينسكي ( ( Sierpinskiوبناخ (Banach ) وإيلنبرغ ((Eilenberg وشاودر ( (Shauderوزيغموند ( (Zygmund وغيرهم.

وبفضل جهودهم تأسست أسس الطبولوجيا والتحليل الوظيفي الحديث. ناهيك عن دخول الولايات المتحدة بثقلها وزخمها المنظم والممول بانتظام.

فرنسا إلى هذه الفترة، لم يبق من مدرستها سوى البورباكية نسبة إلى بورباكي ((Bourbaki صاحب كتاب " عناصر الرياضيات" الذي حرره سنة 1935 م وصدر منه ثمانية وعشرون جزءاً، يعود فيه بالرياضيات إلى بدايتها محاولاً إرجاع الشمولية إلى المدرسة الرياضياتية الفرنسية التي فقدتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية دون كثير نجاح!. وبورباكي نفسه ومن خلال رنّة اسمه أجنبي متجنس!.

لم يفهم هؤلاء المتغنين بأسطورة ريضنة زعيمهم!

ولا كل تلك المئات من الدكاترة، الذين سيتخرجون في الرياضيات لاحقاً أو سيتخصصون فيها أو في العلوم الأخرى بعده، أن ما تخصصوا فيه بدون " إطار مرجعي حضاري" عديم الفائدة بالنسبة لبلدانهم ، ما كانوا يحسبون أن فقيه الكُتّاب المسكين عديم الفائدة لجيل آبائهم!، إلا أن هناك فرقاً وفرقاً جوهرياً، فهو، أي الفقيه كان زاهداً ولم يكن ُمكْلفاً ولا متعجرفاً ولا مُدّعياً ولا متحذلقاً ولا قِرداً ولا خنزيراً أو ضفدع مخبر!، كما سيكونون!. إذ تكلفة أحدهم لصندوق الدولة تكفي عشرات أمثاله لو طوروه وأخذوا بيده ولم يعقّوه ويقلبوا له ظهر المجن!، ثم كان مربياً مثالياً مُشبعاً بتعاليم القرآن، وهم أكثرهم لم يعرفوا معنى التربية ولا وقفوا على كنهها أو مدلولها، كي يوصلوها لغيرهم!.

لقطاء سوء!

وأجيري سُحت!

ومرتزقة عيش!

لا يشيعون حولهم سوى الفشل والبؤس واليأس وقلة الأمل! والدمار!،

عدا قلة مؤمنة، هي ذاكرة الأمة، مغلوبة على أمرها!.، لا يكاد يسمع لها صوت وسط ضجيج هذا الرهط الهجين.

وما مرد ذلك سوى أن من فرخهم وسهر على تكوينهم، حتى مع افتراض سلامة نيته، وليس فقط مُوّجهاً من المؤسسة الاستعمارية، لم يعرف قط لجهله البنيوي، أن العلوم تابعة للإيديولوجيا ما يتبع النهار الليل ولا تنتج لا بمعزل عنها ولا في فراغ!.

وأنه، ومنذ أمد بعيد كان يجب العمل على تغيير كل هذا الغثاء القاتل!. وإعادة تكوينه من جديد ضمن المرجعية والمرجعية وحدها، بدل ملء عقولهم بمعرفة ثانوية لا تسمن ولا تغني من جوع!، ولم تعد لها ريادة في أي علم كان!.

ومع ذلك ينعق بعض رموز هذا التيار الفاشل، دون حياء أو وجل، بدعوى البحث العلمي!، خارج المرجعية!، بعد أن لم يعد له من وجود في الغرب نفسه، سوى بداخل مخابر الشركات متعدية الجنسيات التي احتكرت المال والمعرفة معاً.

لقد مثلوا دائماً الديناصورات والأحافير في كل ما يعتقدون!

ثم لا ينبئك مثل خبير!.

الهامش:

1 المغرب..السنوات الحرجة، ص. 285 ~ 286 .

تسجيل العضوية بالموقع ضروري لإضافة أي تعليق